الخميس، 29 سبتمبر 2011

(( مواقيت الحج الزمانية والمكانية ))

بسم الله الرحمن الرحيم **(( يسئلُونك عن الأهلّة قُل هي مواقيت للناس والحج )) ** وبعد .. المواقيت جمع ميقات ، وهي مواقيت زمانية ومواقيت مكانية . ( المواقيت الزمانية ) : هي التي لا يصح شيء من أعمال الحج إلا فيها ، * قال الله تعالى ( الحجُ أشهر معلُومات ) أي وقت أعمل الحج أشهر معلومات ، والمراد بأشهر الحج ، شوال ، وذو القعدة ،وذي الحجة بكاملة من أشهر الحج ، واشهر معلومات أي الشهر بكامله وليس جزء منه شهر ذي الحجة بكامله ، فإن رمى الجمار وهو من أعمال الحج ، يعمل يوم الثالث عشر من ذي الحجة ، وطواف الإفاضة ، وهو من فرائض الحج ، يعمل في ذي الحجة كله ، المواقيت ثلاثة أشهر _ الإحرام بالحج قبل أشهره ؟ لا يصح الإحرام بالحج إلا في أشهره ، واشهر الحج شوال ، وذو القعدة ، وذي الحجة _____________ المواقيت المكانية ؟  المواقيت المكانية : هي الأماكن التي يُحرمُ منها من يريد الحج أو العمرة . ولا يجوز لحاج أو معتمر أن يتجاوزها ، دون أن يحرم ، وقد بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم : فجعلميقات أهل المدينة (( ذا الحليفة )) وهو موضع بينه وبين مكة 450 كيلومتراً يقع في شمالها ** ووّقت لأهل الشام (( الجحفة )) موضع في الشمال الغربي من مكة بينه وبين مكة 187 كيلو متراً . وهي قريبة من (( رابغ )) ورابغ بينها وبين مكة 204 كيلو متراً . وقد صارت (( رابغ )) ميقات أهل مصر ، والشام ، ومن يمر عليها ، بعد ذهاب معالم (( حجفة )) ، وميقات أهل نجد (( قرن المنازل )) جبل شرقي مكة يطل على عرفات بينه وبين مكة 94 كيلو متراً - وميقات أهل اليمن (( يلملم )) جبل يقع جنوب مكة ، بينه وبين مكة 54 كيلو متراً - وميقات أهل العراق (( ذات عرق )) موضع في الشمال الشرقي لمكة بينه وبين مكة 94 كيلو متراً ** هذه هي المواقيت التي عينها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي مواقيت لكل واحد من مرّ بها ، سواء كان من أهل تلك الجهات أم كان من جهة أخرى ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( هُنّ لهن ولمن أتى عليهن من غيرهن لمن أراد الحج أو العمرة )) ولا يجوز الإحرام قبل الميقات * قال الله تعالى (( يسئلونك عن الأهلة قل هي مواقيتُ للناس والحج )) صدق الله العظيم .

السبت، 24 سبتمبر 2011

(( ذكر مهاجرة إبراهيم بأبنه إسماعيل وأمه هاجر إلى جبال فاران ، وهي أرض مكة ))

بسم الله الرحمن الرحيم * ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم * ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم * وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ** صدق الله العظيم - وبعد ... الهجرة بأمر من الله . من اسباب هذه الهجرة وقصتها،  أن هاجر عليها السلام لما وُلد لها إسماعيل ، اشتدت غيرة سارة منها ، وطلبت من إبراهيم أن يغب وجهها عنها ، فذهب بها وبولدها ، فسار بها حتى وضعها حيث مكة اليوم . وكان اسماعيل ولدها إذ ذاك رضيعاً . فلما تركهما هناك وولى ظهره عنهما قامت هاجر وتعلقت بثيابه ، وقالت : يا إبراهيم أين تذهب وتدعنا ها هنا وليس معنا ما يكفينا ؟ فلم يجيبها . فلما ألحت عليه وهو لا يجيبها قالت له : الله أمرك بهذا ؟ قال نعم . قالت فإذن لا يضيعنا !فانطلق إبراهيم ، حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الدعوات ورفع يديه فقال : * ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ... ورجعت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء ، حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت وعطش ابنها ، وجعلت تنظر إليه يتلوى ، فانطلقت كراهية أن تنظر إليه ، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها ، فقامت عليه ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحداً ؟ فلم تر أحداً . فهبطت من الصفاء حتى إذا بلغت بطن الوادي رفعت طرفدرعها ، ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي ثم أتت المروة فقامت عليها ، ونظرت هل ترى أحداً ؟ فلم تر أحداً فعلت ذلك سبع مرات . قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( فلذلك سعى الناس بينهما )) صدق رسول الله . فلما أشرفت على المروة سمعت صوتاً فقالت : صه ، تريد نفسها . ثم تسمعت فسمعت أيضاً ، فقالت : قد أسمعت إن كان عندك غواث . فإذا هي بالملك عند موضع زمزم ، فبحث بعقبه _ أوقيل بجناحه ،  حتى ظهر الماء ، فجعلت تحوضه وتقول بيدها هكذا . وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعدما تغرف . قال النبي صلى الله عليه وسلم (( يرحم الله أم إسماعيل ؟ لو تركت زمزم ، أو قال لولم تغرف من الماء ، لكانت زمزم عيناً معيناً )) ، فشربت وأرضعت ولدها فقال لها الملك : لا تخافي الضيعة فان ها هنا بيتاً لله يبنيه هذا الغلام وأبوه . وإن الله لا يضيع أهله ، وكان البيت مرتفعاً من الأرض كالرابية ، تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وعن شماله ، فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقه من جرهم ، مقبلين من طريق كداء ، فنزلوا في أسفل مكة فرأوا طائراً عائفاً ، فقالوا : إن هذا الطائر ليدور على ماء ، لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء . فأرسلوا جرياً أي رسول فإذا هم بالماء ، فرجعوا فأخبروهم بالماء فأقبلوا . وأم إسماعيل عند الماء ، فقالوا : أتأذنين لنا أن ننزل عندك ؟ قالت : نعم . ولكن لا حق لكم في الماء عندنا . قالوا : نعم . قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فألفى ذلك أم إسماعيل وهي تحب الإنس ) . فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم . وشبّ الغلام وتعّلم العربية منهم ، وأنفسهم وأعجبهم حين شبّ . فلما أدرك زوجوه امرأة منهم . وماتت السيدة هاجر أم إسماعيل , فجاء إبراهيم بعد ما تزوج إسماعيل يطالع تركته فلم يجد إسماعيل ، فسأل امرأته عنه فقالت خرج يبتغي لنا . ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت : نحن بشر ، نحن في ضيق وشدة , وشكت إليه . قال : فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام وقولي له يغير عتبة بابه . فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئا فقال : هل جاءكم من أحد ؟ فقالت : نعم جاءنا شيخ فسألنا عنك فأخبرته , وسألني كيف عيشنا ؟ فأخبرته أنا في جهد وشدة . قال فهل أوصاك بشيء ؟ قالت : نعم ، أمرني أن أقرأعليك السلام ، ويقول لك غير عتبة بابك . قال : ذاك أبي ، وقد أمرني أن أفارقك فالحقي بأهلك , وطلقها وتزوج منهم أخرى ,ولبث عنهم إبراهيم ماشاء الله . ثم أتاهم بعد فلم يجده ، فسأل امرأته عنه , فقالت خرج يبتغي لنا . قال : كيف أنتم ؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم ، فقالت نحن بخير وسعة , وأثنت على الله عز وجل . فقال : ما طعامكم ؟ قالت : اللحم . قال : فما شرابكم ؟ قالت : الماء . قال : (( اللهم بار لهم في اللحم والماء )) قال : فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام ، ومريه يثبت عتبة بابه ، فلما جاء إسماعيل قال : هل أتاكم من أحد ؟ قالت : نعم أتانا شيخ حسن الهيئة ، وأثنت عليه ، فسألني عنك فأخبرته , فسألني كيف عيشنا ؟ فأخبرته أنّا بخير . قال : فأوصاك بشيء ؟ قالت : نعم ، هو يقرأ عليك السلام ويأمرك أن تثبت عتبة بابك . قال : ذاك أبي وأنت العتبة ، أمرني أن أمسكك . ثم لبث عنهم ما شاء الله , ثم جاء بعدذلك وإسماعيل يبريء نبلاً له تحت دوحة قريباً من زمزم ، فلما رآه قام إليه فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد ثم قال : يا إسماعيل ‘ن الله أمرني بأمر . قال : فأصنع ما أمرك به ربك ، قال : وتعينني ؟ قال وأعينك . قال : فإن الله أمرني أن أبني ها هنا بيتاً . وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها . فعند ذلك رفعا القواعد من البيت , فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني ، حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له ، فقام عليه وهو يبني واسماعيل يناوله الحجارة فجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت وهما يقولان : (( ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم )) صدق الله العظيم .

الأربعاء، 21 سبتمبر 2011

[[ (( الله يأتي بالشمس من المشرق )) ----- ذكر مناظرة إبراهيم الخليل مع من أراد أن ينازع الجليل ، فادعى الربوبية ]]

بسم الله الرحمن الرحيم * (( ألم تر إلى الّذىحآجّ إبراهيم فى ربه أن آتاه اللهُ المُلك إذ قال إبراهيمُ ربّى الّذى يُحيي ويُميتُ قال أنا أُحيي وأُميتُ قال إبراهيمُ فإنّ الله يأتي بالشّمس من المشرق فأت بها من المغرب فبُهت الّذي كفر واللهُ لا يهدي القوم الظالمين )) . صدق الله العظيم - سورة البقرة ، آية رقم (258) الشرح ** وبعد . يذكر الله تعالى مناظرة خليله مع هذا الملك الجبار المتمرد ، الذي أدعى لنفسه الربوبية ، فأبطل الخليل عليه دليله ، وبين كثرة جهله وقلة عقله ، وألجمه الحجة ، وأوضح له طريق المحجة ، وهذا الملك هو ملك بابل واسمه / النمرود ابن كنعان ابن كوش ابن سام ابن نوح ، وقيل هو نمرود ابن فالح ابن عابر ابن صالح ابن أرفخشذ ابن سام ابن نوح . وكان أحد ملوك الدنيا  ، واستمر في ملكه أربعمائة سنة . وكان طغى وبغى ، وتجبر وعتا ، وآثر الحياة الدنيا . ولما دعاه إبراهيم إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، حمله الجهل والضلال وطول الآمال على إنكار الصانع ، فحاج إبراهيم الخليل في ذلك ، وادعى لنفسه الربوبية ، فلما قال إبراهيم الخليل : (( ربي الذي يحيي ويميت ، قال أنا أحيي وأميت )) . يعني أنه إذا أوتي بالرجلين قد تحتم قتلهما ، فإذا أمر بقتل أحدهما وعفا عن الآخر فكأنه قد أحيا هذا وأمات الآخر.وهذا ليس بمعارضة للخليل ، بل هو كلام خارج عن مقام المناظرة ، ليس بمنع ولا بمعارضة ، بل هو تشغيب محض ، وهو انقطاع في الحقيقة ، ف‘ن الخليل استدل على وجود الصانع بحدوث هذه المشاهدات من إحياء الحيوانات وموتها ، على وجود فاعل ذلك الذي لابد من استنادها إلى وجوده ،ضرورة عدم قيامها بنفسها . ولابد من فاعل لهذه الحوادث المشاهدة ، من خلقها وتسخيرها ، وتسيير هذه الكواكب والرياح والسحاب والمطر ، وخلق هذه الحيوانات التي توجد مشاهدة ، ثم إماتتها ، ولهذا قال إبراهيم :(( ربي الذي يحيي ويميت )) . فقول هذا الجاهل : (( أنا أحيي وأميت )) إن عني أنه الفاعل لهذه المشاهدات فقد كابر وعاند ، ولما كان انقطاع معارضة هذا الملك قد تخفى على كثير من الناس ممن حضره وغيرهم ، ذكر دليلا آخر بين وجود الصانع ، وبطلان ما ادعاه النمرود وانقطاعه جهرة : (( فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب )) أي هذه الشمس مسخرة كل يوم ، تطلع من المشرق كما سخرها خالقها ومسيرها وقاهرها ، وهو الذي لا إله إلا هو خالق كل شيء ، فإن كنت كما زعمت من أنك الذي تحيي وتميت فأت بهذه الشمس من المغرب فإن الذي يحيي ويميت هو الذي يفعل ما يشاء ولا يمانع ولا يغالب ، بل قد قهر كل شيء ودان له كل شيء ، فإن كنت كما تزعم فافعل هذا ، فإن لم تفعله فلست كما زعمت ، وأنت تعلم وكل أحد أنك لا تقدر على شيء من هذا ، بل أنت أعجز وأقل من أن تخلق بعوضة أو تنتصر منها .فبين ضلاله وجهله وكذبه فيما ادعاه ، وبطلان ما سلكه وتبجح به عند جهلة قومه ، ولم يبق له كلام يجيب الخليل به ، بل انقطع وسكت ولهذا قال : (( فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين )) . - صدق الله العظيم .

الاثنين، 19 سبتمبر 2011

{{ يا نارُ كُونى برداً وسلاماً على إبراهيم }}

بسم الله الرحمن الرحيم **** يخبر الله تعالى عن إبراهيم خليله عليه السلام ، أنه أنكر على قومه عبادة الأوثان وحقرها عندهم وصغرها وتنقصها ، فقال:(( ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون))  ؟ أي معتكفون عندها وخا ضعون لها ، قالوا : (( وجدنا آباءنا لها عابدين )) . ما كان حجتهم إلا صنيع الأباء والأجداد ، وما كانوا عليه من عبادة الأنداد . (( قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين )) (( قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من الاعبين )) ؟ ويقولون: هذا الكلام الذي تقوله لنا وتنتقص به آلهتنا ، وتطعن بسببه في آبائنا أتقوله محقا جاداً فيه أم لاعبا ؟(( قال بل ربكم رب السموات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين )) يعني بل أقول لكم ذلك جادا محقا ، إنما إلهكم الله الذي لا إله إلاهو،ربكم ورب كل شيء،فاطر السموات والأرض ، الخالق لهما على غير مثال سبق . فهو المستحق للعبادة وحده لا شريك له ، وأنا على ذلكم من الشاهدين . وقوله :(( وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين )) أقسم ليكيدن هذه الأصنام التي يعبدونها بعد أن يولوا مدبرين إلى عيدهم .قيل : إنه قال هذا خفية في نفسه . وقال ابن مسعود : سمعه بعضهم . وكان لهم عيد يذهبون إليه في كل عام مرة إلى ظاهر البلد ، فدعاه أبوه ليحضره فقال إني سقيم . فلما خرجوا إلى عيدهم ، واستقر هو في بلدهم (( راغ إلى آلهتهم)) أي ذهب إليها مسرعا مستخفيا ، فوجدها في بهو عظيم ، وقد وضعوا بين أيديها أنوعاً من الأطعمة قربانا إليها فقال لها على سبيل التهكم والازدراء (( ألا تأكلون * مالكم لاتنطقون * فراغ عليهم ضربا باليمين )) لأنها أقوى وأبطش وأسرع وأقهر ، فكسرها بقدوم في يده كما قال تعالى : (( فجعلهم جذاذا ))أي حطاما ، كسرها كلها (( إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجون )) . قيل إنه وضع القدوم في يد الكبير ، إشارة إلى أنه غار أن تعبد معه هذه الصغار !. فلما رجعوا من عيدهم ووجدا ما حل بمعبودهم (( قالوا : من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين )) . فلو كانت آلهة لدفعت عن أنفسها من أرادها بسوء لكنهم قالوا من جهلهم وقلة عقلهم وكثرة ضلالهم وخبالهم : ((من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين )) . قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم . أي يذكرها بالعيب والتنقص لها والازدراء بها ، فهو المقيم عليها والكاسر لها . ( قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون ) أي في الملأ الأكبر على رؤوس الأشهاد ، لعلهم يشهدون مقالته ويسمعون كلامه ، ويعاينون ما يحل به من الاقتصاص منه .فلما اجتمعوا وجاءوابه كماذكروا (( قلوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم * قال بل فعله كبيرهم هذا )) أي هوالحامل لي على تكسيرهم ، وإنما عرض لهم في القول (( فاسألوهم إن كانوا ينطقون )). وإنما أراد بقوله هذا أن يبادروا إلى القول بأن هذه لا تنطق ، فيعترفوا بأنها جماد كسائر الجمادات . ( فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون ) أي فعادوا على أنفسهم بالملامة ، فقالوا إنكم أنتم الظالمون . أي في تركها لا حافظ لها ولا حارس عندها . (( ثم نكسوا على رءوسهم )) أي ثم رجعوا إلى الفتنة ، فعلى هذا يكون قوله : ( إنكم أنتم الظالمون ) أي في عبادتها ، أدركت القوم حيرة سوء أي فأطرقوا ثم قالوا ( لقد علمت ما هؤلاء ينطقون ) أي لقد علمت يا إبراهيم أن  هذه لا تنطق فكيف تأمرنا بسؤالها ! فعند ذلك قال لهم الخليل عليه السلام : (( أفتعبدون من دون الله مالا ينفعكم شيئا ولا يضركم * أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون )) . مقتضى الكلام أنكم مخلوقون ، وهذه الأصنام مخلوقة ، فكيف يتعبد مخلوق لمخلوق مثله ؟ فإنه ليس عبادتكم لها بأولى من عبادتها لكم . وهذا باطل ، فالآخر باطل للتحكم ؛إذ ليست العبادة تصلح ولا تجب إلا للخالق وحده لا شريك له . (( قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم * فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين )) .عدلوا عن الجدال والمناظرة لما انقطعوا وغلبوا ، ولم تبق لهم حجة ولا شبهة إلى استعمال قوتهم وسلطانهم ، لينصروا ماهم عليه من سفههم وطغيانهم ، فكادهم الرب جل جلاله ؛ وأملى كلمته ودينه وبرهانه كما قال تعالى : (( قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين * قلنا يا نار كوني بردا وسلاماً على إبراهيم * وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين )) . وذلك أنهم شرعوا يجمعون حطبا من جميع ما يمكنهم من الأماكن ، فمكثوا مدة يجمعون له حتى إن المرأة منهم كانت إذا مرضت تنذر لئن عوفيت لتحملن حطبا لحريق إبراهيم ، ثم عمدوا إلى حوبة [ وهى الأرض الصلبة الملساء ، يحاط عليها بالحجارة أو التراب فيجتمع فيها الماء ] حوبة عظيمة فوضعوا فيها ذلك الحطب وأطلقوا فيه النار ، فاضطرمت وأججت والتهبت وعلاها شرر لم ير مثله قط . ثم وضعوا إبراهيم عليه السلام فى كفة منجنيق [ المنجنيق : آلة قديمة من الآت الحصار ، كانت تلقي بها حجارة ثقيلة علي الأسوار فتهدمها ] منجنيق صنعه لهم رجل من الأكراد يقال له ( هيزن) وكان أول من صنع المنجانيق ، فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة . ثم أخذوا يقيدونه ، ويكتفونه وهو يقول : لا إله إلا أنت سبحانك (( رب العالمين )) لك الحمد ولك الملك ، لا شريك لك . فلما وضع الخليل عليه السلام في كفة المنجنيق مقيداً مكتوفاً ثم ألقوه منه إلى النار قال : حسبنا الله ونعم الوكيل ،ويروي عن ابن عباس وسعيد ابن جبير أنه قال : جعل ملك المطر يقول متى أؤمر فأرسل المطر ؟ فكان أمر الله أسرع . (( قلنا يانار كوني بردا وسلاما على إبراهيم )) . صدق الله العظيم .

الخميس، 15 سبتمبر 2011

(( أبراهيم الخليل عليه السلام ))

بسم الله الرحمن الرحيم {{ ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين}} سورة الأنبياء ، آية رقم 51 - هو إبراهيم ابن تارخ ابن ناحور ابن ساروغ ابن راغو ابن فالغ ابن عابر ابن شالح ابن أرفخشذ ابن سام ابن نوح عليه السلام . أم إبراهيم اسمها (( أميلة )) وقيل اسمها (( بونا )) بنت كربتا ابن كرثي ، من بني أرفخشذ ابن سام ابن نوح . - وكان إبراهيم عليه السلام يكنى (( أبا الضيفان )) - ولد إبراهيم بغوطة دمشق ، في قرية يقال لها برزة ، في جبل يقال له قاسيون ، - وقيلولد ببابل ، وهو الصحيح ، - وتزوج إبراهيم سارة  ، وكانت سارة عاقرا لا تلد . وانطلق تارخ بابنه إبراهيم وامرأته سارة وابن أخيه لوط ابن هاران ، فخرج بهم من أرض الكلدانيين إلى أرض الكنعانيين ، فنزلوا حران فمات فيها تارخ وله مائتان وخمسون سنة - وأرض الكنعانيين هي بلاد بيت المقدس ، فأقاموا بحران وهي أرض الكلدانيين في ذلك الزمان ، وكذلك أرض الجزيرة والشام أيضاً . وكانوا يعبدون الكواكب السبعة والذين عمروا مدينة دمشق كانوا على هذا الدين ، يستقبلون القطب الشمالي ويعبدون الكواكب السبعة بلأنواع من الفعال والمقال . ولهذا كان على كل باب من أبواب دمشق السبعة القديمة هيكل لكوكب منها ، ويعملون لها أعياداً وقرابين . وهكذا كان أهل حران يعبدون الكواكب والأصنام وكل من كان وجه الأرض كانوا كفارا ، سوى إبراهيم الخليل وامرأته وابن أخيه لوط عليهم السلام . وكان الخليل عليه السلام هو الذي أزال الله به تلك الشرور ، وأبطل به ذاك الضلال ، فإن الله سبحانه وتعالى آتاه رشده في صغره ، وابتعثه رسولاً واتخذه خليلا في كبره.

الجمعة، 9 سبتمبر 2011

(( بناية البيت العتيق ))

{ بسم الله الرحمن الرحيم } { وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت } سورة الحج آية رقم 22 ** وقال الله تعالى :(( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين )) سورة آل عمران آية رقم 96 ** وقال الله تعالى : (( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم )) ** وبعد .. يذكر الله تعالى عن عبده ورسوله وصفيه وخليله ، إمام الحنفاء ووالد الأنبياء إبراهيم عليه السلام أنه بنى البيت العتيق الذي هو أول مسجد وضع لعموم الناس ، يعبدون الله فيه . وبوأه الله مكانه ، أي أرشده إليه ودله عليه . وقد قال الله تعالى : (( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين )) أى أول بيت وضع لعموم الناس للبركة والهدى ، البيت الذي ببكة . وقيل محل الكعبة (( فيه آيات بينات ))أي على أنه بناء الخليل ، والد الأنبياء من بعده وإمام الحنفاء من ولده ، الذين يقتدون به ويتمسكون بسننه . ولهذا قال : (( مقام إبراهيم )) أي الحجر الذي كان يقف عليه قائم لما ارتفع البناء على قامته ، فوضع له ولده هذا الحجر المشهور ،ليرتفع عليه لما تعالى البناء وعظم الفناء . وقد كان هذا الحجر ملصقاً بحائط على ما كان من قديم الزمان إلى أيام عمر ابن الخطاب رضى الله عنه ، فأخره عن البيت قليلا ، لئلا يشغل المصلين عنده الطائفين بالبيت ، واتبع عمر ابن الخطاب رضي الله عنه في هذا ، فإنه قد وافقه ربه في أشياء : منها قوله لرسوله صلى الله عليه وسلم لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلي ، فأنزل الله :(( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلي ))وقد كانت آثار قدمي الخليل باقية في الصخرة إلى أول الإسلام . وقد قال أبو طالب في قصيدته اللامية المشهورة . _ وثور ومن أرسى ثبيرا مكانه *** وراق ليرقى في حراء ونازل *** وبالبيت حق البيت من بطن مكة *** وباللله إن اللله ليس بغافل *** وبالحجر المسود إذ يمسحونه *** إذ اكتنفوه بالضحى والأصائل *** وموطىء إبراهيم في الصخر رطبة *** على قدميه حافيا غير ناعل . ،يعني أن رجله الكريمة غاصت في الصخرة فصارت على قدر قدمه حافية لا منتعلة . ولهذا قال الله تعالى : (( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل )) أي في حال قولهما : (( ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم )) فهما في غاية الإخلاص والطاعة لله عز وجل ، وهمايسألان من الله عز وجل السميع العليم أن يتقبل منهما فيه من الطاعة العظيمة والسعي المشكور : (( ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ، وأرنا مناسكنا ، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ))   والمقصود أن الخليل بنى أشرف المساجد في أشرف البقاع ، في واد غير ذي زرع ودعا لأهلها البركة ، وأن يرزقوا من الثمرات ، مع قلة المياه وعدم الأشجار والزرع والثمار ، وأن يجعله حرما محرماً وآمنا محتما . فاستجاب الله - وله الحمد - له مسألته ، ولبى دعوته ، وآتاه طلبه ، - لما أمر الله إبراهيم وإسماعيل أن يبنيا البيت لم يدريا أين مكانه ، حتى بعث الله ريحا يقال له الخجوج ، فكنست لهما حول الكعبة من أساس البيت الأول ، وأتبعاها بالمعاول يحفران حتى وضعا الأساس . وذلك حين يقول الله تعالى : (( وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت )) فلما بلغا القواعد وبنيا الركن ، قال إبراهيم لإسماعيل : يابني اطلب لى حجرا حسنا أضعه هاهنا . قال يا أبت إني كسلان تعب . قال : على ذلك فانطلق ، وجاءه جبريل بالحجر الأسود ، وكان أبيض ياقوته بيضاء مثل الثغامة - والثغامة : شجرة بيضاء الثمر والزهر ، تنبت في قمة الجبل ، وإذا يبست اشتد بياضها ، والثغامة جمع : ثغام _ وكان آدم هبط به من الجنة فاسود من خطايا الناس ، فجاء إسماعيل بحجر فوجده عند الركن . فقال : يا أبت من جاءك بهذا ؟ قال : جاء به من هو أنشط منك . فبنيا وهما يدعوان الله : (( ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم )) . والله أعلى وأعلم ، وصلى اللهم على محمد وآل محمد ، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم فى العالمين إنك حميد مجيد .

الاثنين، 5 سبتمبر 2011

(( عبد المطلب ينذر ذبح ولد من أولاده - عند الكعبة ))

بسم الله الرحمن الرحيم * (( كان عبد المطلب ابن هاشم ، جد الرسول صلى الله عليه وسلم ، قد نذر- حين لقى من قريش مالقى عند حفر زمزم - لئن ولُد له عشرةُ نفر ثم بلغوا معه حتى يمنعوه لينحرنّ أحدهم لله عند الكعبة ، فلما توافى بنوه عشرةً ، وعرف أنهم سيمنعونه ، جمعهُم ثم أخبرهم بنذره ، ودعاهم إلى الوفاء لله بذلك ، فأطاعوه ، وقالوا : كيف نصنع ؟ قال : ليأخُذ كل رجل منكم قدحاً ، ثم يكتب فيه اسمه ، ثم ائتونى ، ففعلوا ثم أتوه ، فدخل بهم على هُبل فى جوف الكعبة ، فقال عبد المطلب لصاحب القداح : اضرب على بنىّ هؤلاء بقداحهم هذه ، وأخبرهُ بنذره الذى نذر ، فأعطاه كلّ رجل منهم قدحه الذى فيه اسمه ، وكان عبدُالله ابن عبد المطلب أصغر بنى أبيه ، وأحبّ ولد عبد المطلب إليه ، وكان عبد المطلب يرى أن السهم إذا أخطأه فقد أشوى وهو أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم .

السبت، 3 سبتمبر 2011

(( قريش تنازع عبد المطلب فى حفر بئر زمزم ، وتحتكم فى شأنها ))

بسم الله الرحمن الرحيم * (( فلما بين إلى عبد المطلب له شأنها ، ودل على موضعها ، وعرف أنه قد صدق ، غدا لعبد المطلب ومعه ابنه الحارث ابن عبد المطلب ، ليس له يؤمئذ ولد غيره ، فحفر فيها ، فلما بدا لعبد المطلب الطى كبر ، فعرفت قريش أنه قد أدرك حاجته ،فقاموا إليه ، فقالوا : يا عبد المطلب ، إنها بئر أبينا إسماعيل وإن لنا فيها حقًّا ، فأشركنا معك فيها ، قال : ما أنا بفاعل ، إن هذا الأمر قد خصصت به دونكم ، وأعطيته من بينكم ، فقالوا له : فأنصفنا فإنًا غير تاركيك حتى نخاصمك فيها ، قال : فا جعلوا بينى وبينكم من شئتم أحاكمكم  إليه ، قالوا : كاهنة بنى سعد هذيم ، قال نعم ، وكانت كاهنة بنى سعد بأشراف الشام ، فركب عبد المطلب ومعه نفر من بنى أبيه من بنى عبد مناف ، وركب من كل قبيلة من قريش نفر ،والأرض إذ ذاك مفاوز ، فخرجوا حتى إذا كانوا ببعض تلك المفاوز بين الحجاز والشام فنى ماء عبد المطلب وأصحابه فظمئوا حتى أيقنوا بالتهلكة ، فا ستسقوا من معهم من قبائل قريش ، فأبوا عليهم ، فقالوا : إنا بمفازة ، ونحن نخشى على أنفسنا مثل ما أصابكم ، فلما رأى عبد المطلب ما صنع القوم وما يتخوّفُ على نفسه وأصحابه قال : ماذا ترون ؟ قالوا : ما رأينا إلاّ تبعٌ لرأيك ، فمرنا بما شئت ، قال : فإنى أرى أن يحفر كل رجل منكم حفرته لنفسه بما بكم الآن من القوة ، فكلما مات رجل دفعه أصحابه فى حفرته ، ثم واروه ، حتى يكون آخركم رجلا واحداً ، فضيعةُ رجل واحد أيسر من ضيعة ركب جميعاً ، قالوا : نعم ما أمرت به ، فقام كل واحد منهم فحفر حفرته ، ثم قعدوا ينتظرون الموت عطشاً ، ثم إن عبد المطلب قال لأصحابه والله إن إلقاءنا بأيدينا هكذا للموت لا نضربُ فى الأرض ولا نبتغى لأنفسنا لعجزٌ ، فعسى الله أن يرزقنا ماء ببعض البلاد ، ارتحلُوا ، فارتحلُوا ، حتى إذا فرغُوا ومن معهم من قبائل قريش ينظرون إليهم ما هم فاعلون تقدم عبد المطلب إلى راحلته فركبها ، فلما انبعثت به انفجرت من تحت خُفّها عين من ماء عذب ، فكبر عبدُ المطلب ، وكبر أصحابه ثم نزل فشرب وشرب أصحابه ، واستقوا حتىملأُوا أسقيتهم ، ثم دعا القبائل من قريش ، فقال : هلُمّ إلى الماء فقد سقانا الله فاشربوا واستقوا ، فجاءوا فشربوا واستقوا ، ثم قالوا : قد والله قضى لك علينا يا عبد المطلب ، والله لا نخاصمك فى زمزم أبداً ، إن الذى سقاك هذا الماء بهذه الفلاة لهو الذى سقاك زمزم فارجع إلى سقايتك راشدا ، فرجع ورجعوا معه ، ولم يصلوا إلى الكاهنة ، وخلّوا بينه وبينها**** ثُمّ آدعُ بالماء الروى غير الكدر _________ يسقى حجيج الله فى كُلّ مبرّ ____ ليس يخافُ منهُ شىءٌ ما عمر *

((( رؤيا عبد المطلب جد الرسول (ص) فى حفر زمزم )))

بسم الله الرحمن الرحيم - ((( عن على ابن أبى طالب رضى الله عنه وكرم الله وجهه ، يحدث حديث زمزم حين أمر عبد المطلب بحفرها ، قال عبد المطلب : إنى لنائم فى الحجرإذ أتانى آت فقال : احفر طيبة : قلت وما طيبةًٌ ؟ قال ثم ذهب عنى ، فلما كان من الغد رجعت إلى مضجعى فنمت فيه ، فجاءنى ، فقال : احفر برة ، فقلت وما برة ؟ قال ثم ذهب عنى ، فلما كان الغد رجعت إلى مضجعى ، فنمت فيه ، فجاءنى ، فقال احفر المضمونة ، فقلت وما المضمونة ؟ قال ثم ذهب عنى ، فلما كان الغد رجعت إلى مضجعى ، فنمت فيه ، فجاءنى ، فقال : احفر زمزم ، قلت : وما زمزم ؟ قال لا تنزف أبداً ولا تذمّ ، تسقى الحجيج الأعظم ، وهى بين الفرث والدم عند نقرة الغراب الأعصم عند قرية النمل . ))))) **********