بسم الله الرحمن الرحيم **** يخبر الله تعالى عن إبراهيم خليله عليه السلام ، أنه أنكر على قومه عبادة الأوثان وحقرها عندهم وصغرها وتنقصها ، فقال:(( ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون)) ؟ أي معتكفون عندها وخا ضعون لها ، قالوا : (( وجدنا آباءنا لها عابدين )) . ما كان حجتهم إلا صنيع الأباء والأجداد ، وما كانوا عليه من عبادة الأنداد . (( قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين )) (( قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من الاعبين )) ؟ ويقولون: هذا الكلام الذي تقوله لنا وتنتقص به آلهتنا ، وتطعن بسببه في آبائنا أتقوله محقا جاداً فيه أم لاعبا ؟(( قال بل ربكم رب السموات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين )) يعني بل أقول لكم ذلك جادا محقا ، إنما إلهكم الله الذي لا إله إلاهو،ربكم ورب كل شيء،فاطر السموات والأرض ، الخالق لهما على غير مثال سبق . فهو المستحق للعبادة وحده لا شريك له ، وأنا على ذلكم من الشاهدين . وقوله :(( وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين )) أقسم ليكيدن هذه الأصنام التي يعبدونها بعد أن يولوا مدبرين إلى عيدهم .قيل : إنه قال هذا خفية في نفسه . وقال ابن مسعود : سمعه بعضهم . وكان لهم عيد يذهبون إليه في كل عام مرة إلى ظاهر البلد ، فدعاه أبوه ليحضره فقال إني سقيم . فلما خرجوا إلى عيدهم ، واستقر هو في بلدهم (( راغ إلى آلهتهم)) أي ذهب إليها مسرعا مستخفيا ، فوجدها في بهو عظيم ، وقد وضعوا بين أيديها أنوعاً من الأطعمة قربانا إليها فقال لها على سبيل التهكم والازدراء (( ألا تأكلون * مالكم لاتنطقون * فراغ عليهم ضربا باليمين )) لأنها أقوى وأبطش وأسرع وأقهر ، فكسرها بقدوم في يده كما قال تعالى : (( فجعلهم جذاذا ))أي حطاما ، كسرها كلها (( إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجون )) . قيل إنه وضع القدوم في يد الكبير ، إشارة إلى أنه غار أن تعبد معه هذه الصغار !. فلما رجعوا من عيدهم ووجدا ما حل بمعبودهم (( قالوا : من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين )) . فلو كانت آلهة لدفعت عن أنفسها من أرادها بسوء لكنهم قالوا من جهلهم وقلة عقلهم وكثرة ضلالهم وخبالهم : ((من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين )) . قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم . أي يذكرها بالعيب والتنقص لها والازدراء بها ، فهو المقيم عليها والكاسر لها . ( قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون ) أي في الملأ الأكبر على رؤوس الأشهاد ، لعلهم يشهدون مقالته ويسمعون كلامه ، ويعاينون ما يحل به من الاقتصاص منه .فلما اجتمعوا وجاءوابه كماذكروا (( قلوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم * قال بل فعله كبيرهم هذا )) أي هوالحامل لي على تكسيرهم ، وإنما عرض لهم في القول (( فاسألوهم إن كانوا ينطقون )). وإنما أراد بقوله هذا أن يبادروا إلى القول بأن هذه لا تنطق ، فيعترفوا بأنها جماد كسائر الجمادات . ( فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون ) أي فعادوا على أنفسهم بالملامة ، فقالوا إنكم أنتم الظالمون . أي في تركها لا حافظ لها ولا حارس عندها . (( ثم نكسوا على رءوسهم )) أي ثم رجعوا إلى الفتنة ، فعلى هذا يكون قوله : ( إنكم أنتم الظالمون ) أي في عبادتها ، أدركت القوم حيرة سوء أي فأطرقوا ثم قالوا ( لقد علمت ما هؤلاء ينطقون ) أي لقد علمت يا إبراهيم أن هذه لا تنطق فكيف تأمرنا بسؤالها ! فعند ذلك قال لهم الخليل عليه السلام : (( أفتعبدون من دون الله مالا ينفعكم شيئا ولا يضركم * أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون )) . مقتضى الكلام أنكم مخلوقون ، وهذه الأصنام مخلوقة ، فكيف يتعبد مخلوق لمخلوق مثله ؟ فإنه ليس عبادتكم لها بأولى من عبادتها لكم . وهذا باطل ، فالآخر باطل للتحكم ؛إذ ليست العبادة تصلح ولا تجب إلا للخالق وحده لا شريك له . (( قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم * فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين )) .عدلوا عن الجدال والمناظرة لما انقطعوا وغلبوا ، ولم تبق لهم حجة ولا شبهة إلى استعمال قوتهم وسلطانهم ، لينصروا ماهم عليه من سفههم وطغيانهم ، فكادهم الرب جل جلاله ؛ وأملى كلمته ودينه وبرهانه كما قال تعالى : (( قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين * قلنا يا نار كوني بردا وسلاماً على إبراهيم * وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين )) . وذلك أنهم شرعوا يجمعون حطبا من جميع ما يمكنهم من الأماكن ، فمكثوا مدة يجمعون له حتى إن المرأة منهم كانت إذا مرضت تنذر لئن عوفيت لتحملن حطبا لحريق إبراهيم ، ثم عمدوا إلى حوبة [ وهى الأرض الصلبة الملساء ، يحاط عليها بالحجارة أو التراب فيجتمع فيها الماء ] حوبة عظيمة فوضعوا فيها ذلك الحطب وأطلقوا فيه النار ، فاضطرمت وأججت والتهبت وعلاها شرر لم ير مثله قط . ثم وضعوا إبراهيم عليه السلام فى كفة منجنيق [ المنجنيق : آلة قديمة من الآت الحصار ، كانت تلقي بها حجارة ثقيلة علي الأسوار فتهدمها ] منجنيق صنعه لهم رجل من الأكراد يقال له ( هيزن) وكان أول من صنع المنجانيق ، فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة . ثم أخذوا يقيدونه ، ويكتفونه وهو يقول : لا إله إلا أنت سبحانك (( رب العالمين )) لك الحمد ولك الملك ، لا شريك لك . فلما وضع الخليل عليه السلام في كفة المنجنيق مقيداً مكتوفاً ثم ألقوه منه إلى النار قال : حسبنا الله ونعم الوكيل ،ويروي عن ابن عباس وسعيد ابن جبير أنه قال : جعل ملك المطر يقول متى أؤمر فأرسل المطر ؟ فكان أمر الله أسرع . (( قلنا يانار كوني بردا وسلاما على إبراهيم )) . صدق الله العظيم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق