النذر معناه : هو التزام قربة غير لازمة في أصل الشرع بلفظ يُشعر بذلك مثل أن يقول المرء : لله عليَّ أن أتصدق بمبلغ كذا ، أو إن شفى الله مريضي فعليَّ صيام ثلاثة أيام ونحو ذلك . ولا يصح إلا من بالغ عاقل مختار ولو كان كافراً . (( النذر عبادة قديمة )) ذكر الله سبحانه عن أم مريم أنها نذرت ما في بطنها لله ، فقال الله " إذ قالت امرأةُ عمران ربِّ إنّي نذرتُ لك ما في بطّني مُحَرَّراً فتقبّل مني إنّك أنت السميعُ العليمُ " . وأمر الله مريم به فقال " فإمّا ترينّ من البشر أحداً فقُولي إنّي نذرتُ للرحمن صوماً فلن أُكلّم اليوم إنسياُ " . (( النذر في الجاهلية )) وذكر الله أهل الجاهلية ما كانوا يتقربون به إلى آلهتهم من نذور طلباً لشفاعنهم عند الله وليقربوهم إليه زلفى ، فقال الله " وجعلُوا لله ممّا ذرأ من الحرث والأنعام نصيباً فقالُوا هذا لله بزعمهم وهذا لشُركآئنا فما كان لشُركآئهم فلا يصلُ إلى الله وما كان لله فهُو يصلُ إلى شُركآئهم ساء ما يحكمُونُ " . (( مشروعية النذر في الإسلام )) هو مشروع بالكتاب والسنّة ، ففي الكتاب يقول الله " وما أنفقتُم مّّن نّفقةٍ أو نذرتُم مّن نّّذرٍ فإنّ الله يعلمُه " . ويقول الله " ثُم ليقضُوا تفثهُم وليُوفُوا نُذُورهُم وليطّوّفُوا بالبيت العتيق " . ويقول الله " يُوفُون بالنذر ويخافُون يوماً كان شرُّهُ مُستطيراً " . وفي السنة يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه " . والإسلام وإن كان شرعه إلا أنه لا يستحبه ، فعند ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر وقال " إنه لا يأتي بخير وإنما يُستخرجُ به من البخيل " . (( متى يصح النذر ومتى لا يصح )) يصح النذر وينعقد إذا كان قربة يتقرب بها إلى الله سبحانه ، ويجب الوفاء به . ولا يصح إذا نذر أن يعصي الله ، ولا ينعقد ، كالنذر على القبور وعلى أهل المعاصي وكأن ينذر أن يشرب الخمر أو يقتل أو يترك الصلاة أو يؤذي والديه . فإن نذر ذلك لا يجب الوفاء به بل يحرم عليه أن يفعل شيئاً من ذلك ولا كفارة عليه لأن النذر لم ينعقد . يقول الرسول صلى الله عليه وسلم " لا نذر في معصية " . وقيل عند جمهور الفقهاء ومنهم المالكية والشافعية : تجب الكفارة زجراً له وتغليظاً عليه . (( آخر دعوانا الحمدُ لله ربّ العالمين )) .
النذر للأموات ، عند مذهب الأحناف : أن النذر الذي يقع للأموات من أكثر العوام . وما يؤخذ من الدارهم والشمع والزيت ونحوها إلى ضرائح الأولياء الكرام تقرباً إليهم كأن يقول : ياسيدي فلان إن رُدَّ غائبي أو عُوفي مريضي أو قُضيت حاجتي فلك من النقد أو الطعام أو الشمع أو الزيت كذا فهو بالإجماع باطل وحرام لوجوه منها : (1) أنه نذر لمخلوق والنذر للمخلوق لا يجوز لأنه عبادة وهي لا تكون إلا لله . (2) أن المنذور له ميت والميت لا يملك . (3) أنه إن ظن أن الميت يتصرف في الأمور دون الله فاعتقاده ذلك كفر . اللهم إلا أن قال : ياالله إني نذرت لك إن شفيت مريضي أو رددت غائبي أو قضيت حاجتي ، أن أطعم الفقراء الذين بباب الولي الفلاني أو أشتري حصراً لمسجد أو زيتاً لوقوده أودراهم لمن يقوم بشعائره إلى غير ذلك مما فيه ذلك مما فيه نفر للفقراء . والنذر لله . وذكر الولي إنما هو محل لصرف النذر لمستحقيه القاطنين برباطه أو مسجده فيجوز بهذا الإعتبار . ولا يجوز أن يصرف ذلك لغني ولا شريف ولا لذي منصب أو ذي نسب أو علم مالم يكن فقيراً ولم يثبت في الشرع جواز الصرف للأغنياء . (( آخر دعوانا الحمدُ لله ربِّ العالمين )) .
نذر العبادة بمكان معين ، ولو نذر صلاة أو صياماً أو قراءة أو اعتكافاً في مكان بعينه . فإن كان للمكان المتعين مزية في الشرع كالصلاة في المساجد الثلاثة ، لزم الوفاء به وإلا لم يتعين بالنذر الذي أمر الله بالوفاء به .قال المذهب الشافعي : إذا نذر إنسان التصديق بشيء على أهل بلد معين لزمه ذلك وفاء بالتزامه ولو نذر صوماً في بلد لأنه قربه ولم يتعين مكان الصوم في تلك ، فله الصوم في غيره . ولو نذر صلاة في بلد يتعين لها ويصلي في غيرها لأنها لا تختلف باختلاف الأمكنة إلا المسجد الحرام أي الحرم كله ومسجد المدينة والمسجد الأقصى إذا نذر الصلاة على أحد هذه المساجد فيتعين لعظم فضلها لقول الرسول صلى الله عليه وسلم " لا تشد الرحال إلا إلي ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى " . واستدلوا الشافعية بدليل نقلي على تعيين مكان التصدق بالنذر . وهو ما روى عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده " إن أمرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يارسول الله إني نذرت أن أذبح كذا وكذا لمكان يذبح فيه أهل الجاهلية . قال : لصنم ؟ قالت لا ، قال : لوثن ، قالت لا ، قال أوف بنذرك ". وقال المذهب الحنفي ، من قال " لله عليَّ أن أصلي ركعتين في موضع كذا أو تصدق على فقراء بلد كذا " . يجوز أداؤه في غير ذلك المكان عند أبي حنيفة وصاحبية أبو يوسف ومحمد لأن المقصود من النذر هو التقرب إلى الله ، وليس لذات المكان دخل في القربة . وإن نذر صلاة ركعتين في المسجد الحرام فأداها في مكان أقل منه شرفاً أو فيما لا شرف له أجزأه عندهم لأن المقصود هو القربة إلى الله ، وذلك يتحقق في أي مكان . (( آخر دعوانا الحمدُ لله ربِّ العالمين )) .
النذر يصح إذا كان قربة ، ولا يصح إذا كان معصية . (( النذر المباح )) مثل أن يقول لله عليَّ أن أركب هذه السيارة أو أن أركب هذا القطار أو ألبس هذا الثوب ، قال جمهور العلماء هذا ليس بنذر ولا يلزم به شيء . أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر وهو يخطب إلى أعرابي في الشمس فقال ماشأنك ؟ قال نذرت أن لا أزال في الشمس حتى يفرغ رسول الله من الخطبة ، فقال رسول الله " ليس هذا بنذر إنما النذر فيما ابتُغيَ به وجه الله " . النذر المباح يصدق عليه مسمى النذر ، فيدخل العمومات المتضمنة للأمر بالوفاء به ، ويؤكد ذلكما أخرجه أبوداود إن امرأة قالت " يارسول الله إني نذرت إذا انصرفت من غزوتك سالماً أن أضرب على رأسك بالدف ، فقال لها رسول الله أوفي بنذرك " . وضرب الدف إذا لم يكن مباحاً فهو إما مكروه أو أشد من المكروه ، ولا يكون قربة فإن كان مباحاً فهو دليل على وجوب الوفاء بالمباح , وإن كان مكروهاً فالإذن بالوفاء به يدل على الوفاء بالمباح بالأولى . وقال الإمام أحمد ، ينعقد والناذر يخير بين الوفاء وبين تركه وتلزمه الكفارة إذا تركه . (( آخر دعوانا الحمدُ لله ربِّ العالمين )) .
النذر قد يكون مشروطاً وقد يكون غير مشروط . (1) النذر المشروط هو : التزم قربه عند حدوث نعمة ، أو دفع نقمة مثل : إن شفى الله مريضي فعلي إطعام ثلاثة مساكين ، أو إن حقق الله أملي في كذا فعليَّ كذا . فهذا يلزم الوفاء به عند حصول المطلوب . (2) النذر غير المشروط هو : النذر المطلق وهو أن يلتزم ابتداء بدون تعليق على شيء مثل : لله على أن أصلي ركعتين . فهذا يلزم الوفاء به لدخوله تحت قول رسول الله " من نذر أن يطيع الله فليطعه " (( النذر لشيخ معين )) ومن نذر لشيخ معين فإن كان حياً وقصد الناذر الصدقة عليه لفقره وحاجته أثناء حياته كان ذلك النذر صحيحاً وهذا من باب الإحسان الذي حبب فيه الإسلام . ولو كان ميتاً وقصد الناذر الاستغاثة به وطلب الحاجات منه فإن هذا نذر معصية لا يجوز الوفاء به . (( من نذر صوماً وعجز عنه )) من نذر صوماً مشروعاً وعجز عن الوفاء به لكبر سن أو لوجود مرض لا يرجى برؤه ، كان له أن يفطر ويكفر كفارة يمين أو يطعم عن كل يوم مسكيناً . (( آخر دعوانا الحمدُ لله ربِّ العالمين )) .
كفارة النذر ، إذا حنث الناذر أو رجع عن نذره لزمته كفارة يمين . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " كفارة النذر إذا لم يسم كفارة اليمين " . (( الحلف بالصدقة بالمال )) من حلف بأن يتصدق بماله كله أو قال : مالي في سبيل الله . فهو من نذر اللجاج وفيه كفارة يمين ، وهو رأي المذهب الشافعي ، وقال المذهب المالكي : يخرج ثلث ماله . وقال المذهب الحنفي : ينصرف ذلك إلى كل ما تجب فيه الزكاة من عينه من المال دون مالا زكاة فيه من العقار والدواب ونحوها . (( من مات وعليه نذر صيام )) روى ابن ماجه إن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إن أمي توفيت وعليها نذر صيام فتوفيت قبل أن تقضيه ، فقال رسول الله " ليصم عنها الولي " . (( آخر دعوانا الحمد لله ربّ العالمين )) .