بسم الله الرحمن الرحيم . . (( تعريف الأطعمة )) الأطعمة جمع طعام ، وهي ما يأكله الإنسان ويتغذى به من الأقوات وغيرها . قال الله " قًل لا أجد فيما أوُحى إلىَّ مُحرَّماً عليَ طاعمٍ يطعمُهُ " , أي على آكل يأكله ولا يحل منها إلا ما كان طيباً تتوقه النفس . قال الله " يسألًونك ماذا أحلَّ لهًم قُل أحلَّ لكُم الطَّيباتُ " . والمقصود بالطيبات هنا ما تستطيب النفس وتشتهيه وهذا مثل قول الله " ويُحل لهُمُ الطَّيَّبَاتُ ويُحَرّم عَلَيهمُ الخَبائثَ " . والطعام منه ما هو جماد ومنه ما هو حيوان فالجماد حلال كله ما عدا النجس والمتنجس والضار والمسكر وما تعلق به حق الغير فالنجس مثل الدم والمتنجس كالسمن الذي ماتت فيه فأرة ، لحديث رسول الله عن ميمونة أنه سئل عن سمن وقعت فيه فأرة فقال رسول الله " ألقوها وما حولها فاطرحوه وكلوا سمنكم " . أن الجامد إذا وقعت فيه ميتة طرحت وما حولها منه إذا تحقق أن شيئاً من أجزائها لم يصل إلى غير ذلك منه وأما المائع فإنه ينجس بملاقاة النجاسة والضار من السموم وغيرها . فالسموم مثل السموم المستخرجة من العقرب والنحل والحيات السامة وما يستخرج من النبات السام والجماد كالزرنيخ ، قال الله " ولا تقتُلوا أنفسُكُم إن اللهَ كَانَ بكُم رَحيماً " وقال الله " ولا تُلقُوا بأيديكُم إلى التهلًكة " . قال رسول الله " من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالداً فيها أبداً ، ومن تحسى سماً فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبدا ، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً " . وإنما يحرم من السموم القدر الذي يضر . وأما ما يحرم للضرر من غير السموم مثل الطين والتراب والحجر والفحم بالنسبة لمن يضره تناولها فلقول رسول الله " لا ضرر ولا ضرار " . الدخان فإنه ضار بالصحة وفيه تبذير وضياع للمال والمسكر مثل الخمر وغيرها من المخدرات وما تعلق به حق الغير مثل المسروق والمغصوب فإنه لا يحل سيء من ذلك كله ، والحيوان منه ما هو بحري ومنه ما هو بري فأما البحري فهو حلال كله والحيوان البري منه ما هو حلال أكله ومنه ما هو حرام . وقد فصَّل الإسلام ذلك كله وبينه بياناً وافياً مصداقاً لقول الله " وقد فصَّل لكُم ما حرّم عليكم إلا ما اضطُررتُم إليه " . وقد جاء هذا التفصيل مشتملاً على أمور ثلاثة (1) الأمر الأول النص على المباح . (2) الأمر الثاني النص على الحرام . (3) الأمر الثالث ما سكت عنه الشارع . (( ما نص الشارع على أنه مباح )) (1) الحيوان البحري حلال كله ولا يحرم منه إلا ما فيه سم للضرر سواء أكان سمكاً أم كان من غيره وسواء أصطيد أم وجد ميتاً وسواء أصطاده مسلم أم كتابي أم وثني وسواء أكان الحيوان البحري مما له شبه في البر أم لم يكن له شبه . والحيوام البحري لا يحتاج إلى تزكية ، والأصل في ذلك قول الله " أحلَّ لكُم صيدُ البحر وطعامهُ متاعاً لكُم وللسيارة " . عن أبي هريرة قال سأل رجل رسول الله فقال يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ بماء البحر ؟ فقال رسول الله " هو الطهور ماؤه والحل ميتته " . (( السمك المملح )) كثيراً ما يخلط السمك بالملح ليبقى مدة طويلة بعيداً عن الفساد ويتخذ من أصنافه المختلفة السردين ، والفسيخ ، والرنجة ، والملوحة ، وكل هذه طاهرة ويحل أكلها مالم يكن فيه ضرر فإنه يحرم لضرره بالصحة حينئذ ، وأن الفسيخ طاهر لأنه لا يملح ولا يرضخ إلا بعد الموت والدم المسفوح لا يحكم بنجاسته إلا بعد خروجه وبعد موت السمك إن وجد فيه دم يكون كالباقي في العروق بعد الزكاة الشرعية فالرطوبات الخارجة منه بعد ذلك طاهرة لا شك في ذلك . وإلى هذا ذهب الأحناف والحنابلة والمالكية . (( الحيوان يكون في البر والبحر ))أن جميع ما يكون في البحر بالفعل تحل ميتته ولو كان يمكن أن يعيش في البر إلا الضفدع للنهي عن قتلها . عن عبد الرحمن ابن عثمان أن طبيباً سأل رسول الله عن ضفدع يجعلها في دواء فنهاه عن قتلها . (( الحلال من الحيوان البري )) بهيمة الأنعام ، قال الله " والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون " . قال الله " بالأيها الذين آمنوا أوفوا بالعُقُود أحلّت لكم بهيمةُ الأنعام إلا ما يُتلى عليكم " . وبهيمة الأنعام هي الإبل والبقر ومنه الجاموس ويشمل الضأن والمعز ويلحق بها بقر الوحش وإبل الوحش والظباء فهذه كلها حلال بالإجماع وثبت في السنة الترخيص في الدجاج والخيل وحمار الوحش والضب والأرنب والضبع والجراد والعصافير . قال ابن عباس رواية عن خالد ابن الوليد أنه دخل مع رسول الله على خالته ميمونة بنت الحارث فقدمت إلى رسول الله لحم ضب جاءها مع قريبة لها من نجد وكان رسول الله لا يأكل شيئاً حتى يعلم ما هو فاتفق النسوة ألا يخبرنه حتى يرين كيف يتذوقه ويعرفه إن ذاقه فلما أن سأل عنه وعلم به تركه وعافه فسأله خالد أحرام هو ؟ قال رسول الله لا ولكنه طعام ليس في قومي فأجدني أعافه قال خالد فاجتررته إليَّ فأكلته ورسول الله ينظر . في أكل العصافير يقول رسول الله " مامن إنسان قتل عصفوراً فما فوقها بغير حقها إلا سأله الله عنها قيل يارسول الله وما حقها ؟ قال يذبحها فيأكلها ولا يقطع رأسها يرمي بها " . (( ما نص الشارع على حرمته )) المحرمات من الطعام في كتاب الله محصورة في عشرة أشياء منصوص عليها في قوله سبحانه " حًرمت عليكم الميتة والدمُ ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النُّصُب وأن تستقسمُوا بالأزلآم ذلكم فسق " . قال الله " قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنهُ رجس أو فسقاً أُهل لغير الله به " . (( ما قطع من الحي )) يلحق بالمحرمات ما قطع من الحي . لحديث أبي واقد الليثي قال قال رسول الله " ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة " . ويستثنى من ذلك ميتة السمك والجراد فإنها طاهرة لحديث ابن عمر قال قال رسول الله " أحل لنا ميتتان ودمان أما الميتتان فالحوت والجراد وأما الدمان فالكبد والطحال " . عظم الميتة وقرونها وظفرها وشعرها وريشها وجلدها وكل ما هو من جنس ذلك طاهر لأن الأصل في هذه كلها الطهارة ولا دليل على النجاسة . الدم يعفى عن اليسير منه ، قال الله " أو دماً مسفُوحاً " المسفوح الذي يًهراق ولا بأس بما كان في العروق منها. عن عائشة قالت كنا نأكل اللحم والدم خطوط على القدر . (( حرمة الحمر الأهلية والبغال )) ومما يدخل في دائرة التحريم الحمر الأهلية والبغال قال الله " والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة " . عن المقداد ابن معد يكرب أن رسول الله قال " ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب من السبع ولا لقطة مُعاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه " . (( تحريم سباع البهائم والطير ))السباع جمع سبع وهو المفترس من الحيوان والمراد بذي الناب ما يعدو بنابه على الناس وأموالهم مثل الذئب والأسد والكلب والفهد والنمر والهر فهذه كلها محرمة ، نهى رسول الله عن كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير . ذو المخلب من الطير هي الطيور التى تعدو بمخالبها مثل الصقر والشاهين والعقاب والنسر ونحو ذلك . (( تحريم الجلالة )) الجلالة هي التي تأكل العذرة من الإبل والبقر والغنم والدجاج والإوز وغيرها حتى يتغير ريحها وقد ورد النهي عن ركوبها وأكل لحمها وشرب لبنها . نهى رسول الله عن لحوم الحمر الأهلية وعن الجلالة عن ركوبها وأكل لحومها " . (( تحريم الخبائث )) قال الله " ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث " والطيبات ما تستطيبه الناس وتستلذه من غير ورود نص بتحريمه فإن استخبثته فهو حرام . (( تحريم ما أمر الشارع بقتله )) أمر رسول الله بقتل خمس من الدواب وهي الغراب والحدأة والعقرب والفأر والكلب العقور " . وما نهى عن قتله من الدواب النملة والنحلة والهدهد والصرد والضفدع ونحو ذلكولم يأت الشارع ما يفيد تحريم أكل ما أمر بقتله أو نهى عن قتله حتى يكون الأمر والنهي دليلين على ذلك . (( ما سكت عنه الشارع ))أما ما سكت الشارع عنه ولم يرد نص بتحريمة فهو حلال تبعاً للقاعدة المتفق عليها وهي أن الأصل في الأشياء الإباحة وهذه القاعدة أصل من أصول الإسلام قال الله " هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً " . قال رسول الله " إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدوداً فلا تعتدوها وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها " . عن أبي الدرداء أن رسول الله قال " ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن لينسى شيئاً " وتلا" وما كان ربًك نسياً " (( اللحوم المستوردة )) اللحوم المستوردة من خارج البلاد الإسلامية يحل أكلها بشرطين (1) أن تكون من اللحوم التي أحلها الله . (2) أن تكون قد ذكيت زكاة شرعية . (( إباحة أكل ما حرم عند الأضطرار )) للمضطر أن يأكل من الميتة ولحم الخنزير وما لا يحل من الحيوانات التي لا تؤكل وغيرهاما مما حرمه الله محافظة على الحياة وصيانة للنفس من الموت ، والمقصود بالإباحة وجوب الأكل لقول الله " ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما " (( حد الإضطرار )) يكون الإنسان مضطراً إذا وصل به الجوع إلى حد الهلاك أو إلى مرض يفضى به إليه سواء أكان طائعاً أو عاصياً ، قال الله " فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفوررحيم " . حد الضرورة أن يبقى يوماً وليلة لا يجد فيهما ما يأكل أو يشرب فإن خشي الضعف المؤذي الذي إن تمادى به أدى إلى الموت أو قطع به عن طريقه وشغله حل له من الأكل والشرب ما يدفع عن نفسه الموت بالجوع أو العطش ، أما تحديدنا ذلك ببقاء يوم وليلة بلا أكل فلتحريم رسول الله الوصال يوماً وليلة أي وصل الصيام ، وأما قولنا إن خاف الموت قبل ذلك فلأنه مضطر " . (( القدر الذي يؤخذ )) يتناول المضطر من الميتة القدر الذي يحفظ حياته ويقيم أوده وله أن يتزود حسب حاجته ويدفع ضرورته . عن جابر ابن سمرة أن رجلاً نزل الحرة فنفقت عنده ناقه فقالت له امرأته اسلخها حتى نقد شحمها ولحمها ونأكله فقال حتى أسأل رسول الله فسأله فقال هل عند غناء يغنيك ؟ قال لا قال فكلوها " . من اضطر إلى شيء من المحرمات ولم يجد مال مسلم ولا ذمي فله أن يأكل حتى يشبع ويتزود حتى يجد حلالاً فإذا وجده عاد ذلك المحرم حراماً كما كان فإن وجد مال مسلم أو ذمي فقد وجد ما أمر رسول الله بإطعامه منه لقوله " أطعموا الجائع " فحقه فيه فهو غير مضطر إلى الميتة فإن منع ذلك ظلماً كان حينئذ مضطراً . (( هل يباح الخمر للعلاج ؟ )) نهى الإسلام عن التداوي بالخمر وحرمها . عن طارق ابن سويد الجعفي أنه سأل رسول الله عن الخمر فنهاه عنها فقال إنما أصنعها للدواء فقال " إنه ليس بدواء ولكنه داء " . روى أبو داود عن أبي الدرداء أن رسول الله قال " إن الله أنزل الداء والدواء فجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تتداووا بحرام " . يجوز التداوي بالخمر بشرط عدم وجود دواء من الحلال يقوم مقام الحرام وأن لا يقصد المتداوي به اللذة والنشوة ولا يتجاوز مقدار ما يحدده الطبيب . كما أجازوا تناول الخمر في حال الأضطرار ومثل الفقهاء لذلك بمن غصَّ بلقمة فكاد يختنق ولم يجد ما يسيغها به سوى الخمر . أو من أشرف على الهلاك من البرد ولم يجد ما يدفع به هذا الهلاك غير كوب أو جرعة من خمر أو من أصابته أزمة قلبية وكاد يموت فعلم أو أخبره الطبيب بأنه لا يجد ما يدفع به الخطر سوى شرب مقدار معين من الخمر . فهذا من باب الضرورات التي تبيح المحظورات . (( آخر دعوانا الحمد لله ربّ العالمين )) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق